اخفاء القائمة الجانبية من الموضوع

الجزء التاني : هده هي قصة بائعة الهوى الجريئة



أخبرتُ أبي عن الأمر وهو الآخر نبّهَني مِن دخول ذلك المكان، لكنّه كان يعلَم أنّني شاب جادّ وأجني مالي بعرَق جبيني فليس مِن المعقول أن أبذّرُه هكذا.

مرَّت الأسابيع والأشهر، وبالفعل صِرتُ مُعتادًا على رؤية تلك الفتيات وأيضًا الرجال الذين يقصدون ذلك البيت خفيةً خوفًا مِن أن يراهم أحد. إلا أنّ فتاةً لفتَت إنتباهي بالأخص ليس بسبب جمالها أو إغرائها، بل العكس. كانت داليا، كما عرفتُ إسمها لاحقًا، مُختلفة عن الباقيات. شيء في مشيَتها ونظراتها كان يوحي بأنّها ليست في مكانها، أعني أنّها كانت خجولة وحزينة في آن واحد. ولاحظتُ أيضًا أنّها كانت ترمي نظرات مِن ناحيتي مليئة بالحنان، خلافًا لرفيقاتها اللواتي كنَّ تحاولنَ إغوائي. لِذا صرتُ أنتظرُ خروج داليا إلى الدكّان أو مُصفّف الشعر بفارغ الصبر لأبتسم لها عن بعد وتردّ لي تلك الإبتسامة. رآني أبي مرّة وعادَ ونبّهَني مِن الإختلاط بِبنات البيت فطمأنتُه ثانية.


في إحدى المرّات، ركِبتُ سيّارتي ولحِقتُ بداليا وهي ماشية وعرضتُ عليها أن أقلّها حيث هي ذاهبة. تردّدَت قليلاً ثمّ قبِلَت فجلسَت بالقرب منّي، وملأَت رائحتها الزكيّة المركبة. بقَينا صامتَين حتى وصلَت راكبتي المكان المقصود وشكرَتني مِن دون أن تنظر إليّ حتى. إكتفَيتُ بذلك وأبقَيتُ في ذهني تلك الرائحة التي رافقَت خيالي لمدّة طويلة.

مِن دون أن نتّفق على ذلك، أصبحَت داليا تنتظرُني كلّ أسبوع في اليوم والوقت نفسه لأقلّها، ولَم نتكلّم مع بعضنا قط إلا بعد حوالي الشهر، حين قالَت لي وهي تترجّل: "إسمي داليا... ولستُ فتاة سيّئة... بل حياتي هي السيّئة". لا أدري كيف، ولكنّ عَينَيَّ امتلأت بالدموع، لأنّني أدركتُ مِن نبرة صوتها واختيار كلماتها أنّ تلك الصبيّة عانَت ولا تزالُ تُعاني الكثير، وأنّني كنتُ على حقّ باعتبارها مُختلفة عن الأخريات. في ذلك اليوم أخذتُ قرارًا صارِمًا وجدّيًّا، وهو مُساعدة داليا بأيّ طريقة وإنهاء مُعاناتها، فكَم هو فظيع لامرأة أن تُعطي نفسها مُقابل المال!

بعد أيّام، رحتُ سرًّا أدقّ باب البيت المذكور. فتحَت لي سيّدة في العقد الخامس مِن عمرها وسألَتني عن سنّي فأجبتُها: "عمري واحد وعشرون سنة وأُريدُ بالتحديد داليا... كَم تطلبين؟". إبتسمَت السيّدة ثمّ أدخلَتني إلى ردهة حيث جلستُ بانتظار قدوم التي سكنَت بالي. عندما رأتني داليا صرَخت: "لا!" لكنّ المرأة الخمسينيّة أسكَتَتها بقوّة فدخلَتُ وداليا غرفة نوم.

أقفلتُ الباب ورائي وأسرعتُ بالقول لداليا:

 

ـ لا تخافي... لستُ هنا مِن أجل... تعرفين ما أقصد...

 

ـ لن أقبَل أن تتشوّه صورتكَ في بالي.

 

ـ هذا تمامًا ما لا اريدُه أيضًا... جئتُ لنتكلّم، فلقد اشتقتُ لوجودكِ وتلك الدقائق الأسبوعيّة لَم تعُد كافية. إسمي جهاد بالمناسبة.

 

ـ أعرفُ إسمكَ، أنتَ إبن الميكانيكيّ. ماذا تُريدُ منّي؟ لماذا هذا الإهتمام؟ لستُ فتاة يجب التواجد معها، فأنا...

 

ـ إنسانة مجروحة. لا أدري ما حصَلَ لكِ في ما مضى والذي أودى بكِ إلى هنا، لكنّني مُتأكّد مِن أنّكِ كنتِ في يوم مِن الأيّام فتاة طيّبة لدَيها أحلام كبيرة، شأن أيّة فتاة في العالم.

 

أخبرَتني داليا قصّتها ولَم أكن مُخطئًا، فالحياة تأخذُ أحيانًا مُنعطفات خطيرة، إلا أنّ الرجوع إلى الطريق الصحيح ليس مُستحيلاً.

 

0 تعليقات ل "الجزء التاني : هده هي قصة بائعة الهوى الجريئة "

إرسال تعليق